الإعاقة الذهنية بين المجتمعات الأوروبية القديمة والحضارة الإسلامية |
إن موضوع الإعاقة الذهنية كان ولا يزال موضوعا للكثير من المناقشات إليكم أعزائي التطورات التاريخية التي عرفها مفهوم الإعاقة الذهنية :
1- المعاق الذهني في المجتمعات الأوروبية القديمة:
كانت الإعاقة الذهنية مسألة مسكوت عنها في الفلسفة اليونانية والأنساق الفلسفية التي أعقبتها إلى حدود علم النفس الحديث. فهي لم تكن حاضرة في النسق العلائقي الذي يجمع بين الإنسان والعلم ، إذ أن التأخر الذهني كان يعتبر عقابا ، كما اعتبر الشخص المعاق إنسانا غير نافع لا فائدة منه ويجب التخلص منه. وفي هذا الإطار فإن القديس "أوغستين" يصف الأطفال المعاقين ذهنيا ب < أنهم مثيرين للاشمئزاز أحيانا ، لدرجة أنه ليس لديهم عقل كالماشية>.
وفي العصور الوسطى ، خصوصا في القرن السادس عشر ، برز رأيان متناقضان كلياً: أولهما رأي "لوثر" الذي يعتبر أن <المعاقين هم أبناء الشيطان>. والثاني هو رأي "هيربرت" الذي كان يرى أن التأخر هو في الغالب <حالة أكثر منه مرضا>.
2- الإعاقة والإسلام:
أمام هذا الازدراء والقسوة اتجاه المعاقين، نجد الإسلام جاء ليصحح العديد من الممارسات اتجاه الإنسان سواء كان سويا أو مريضا. وقد كان حظ الشخص المعاق في ذلك وفيرا حيث أحيط بالعناية في التشريعات والنظم، يقول " كوهلر" < في حين نعرف أن الحضارة الإسلامية منذ بداياتها قد أشفقت على الأطفال والراشدين المعاقين واعتنت بهم ووضعتهم في مؤسسات خاصة ، فإننا لا نجد أي اهتمام لأوروبا في هذا المجال في هذه الفترة >. فكيف نظر الإسلام إلى الإعاقة ؟ وكيف كان وضع الشخص ذي إعاقة داخل المجتمعات الإسلامية؟
لقد عمل الإسلام على التخفيف من وقع الإصابة بإعاقة على صاحبها وأسرته داعياً إلى الرضى بالمصاب لنيل الأجر والثواب. وفي هذا الصدد نجد الكثير من الآيات القرأنية والأحاديث النبوية الشريفة منها قوله تعالى : < وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون > (البقرة :156-157). ومنها الحديث القدسي الذي رواه الترميذي عن أنس : < إذا وجهت إلى عبد من عبادي مصيبة في بدنه أو في ولده أو في ماله فاستقبلها بصبر جميل استحيت يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا >.
لذلك فإن المسلمين ، عبر التاريخ ، عملوا على تطبيق تعاليم الدين الإسلامي بما في ذلك الجانب الخاص بالأشخاص المحتاجين والعاجزين، حيث أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يتكفل بالعاجزين والمساكين ، ومنع اختلاط المجذومين بالناس مع فرض مبلغ مالي لهم. وقد تم تأسيس أول مستشفى للمجذومين في الإسلام في عهد الوليد بن عبد الملك سنة 89 ه (707م). وهو أول خليفة جعل لكل أعمى قائدا يقوده ، ولكل مقعد خادما يخدمه. وتوالى إنشاء المستشفيات للعاجزين عبر التاريخ الإسلامي ليشهد طفرة كبيرة في العصر العباسي ، إذ أمر أبو جعفر ولاته ببناء ملاجئ للعاجزين والمساكين في كل الأقاليم ، كما تشهد كتب التاريخ لهارون الرشيد بدوره الكبير في هذا المجال.