recent
أخبار ساخنة

بين اليوم والأمس : التلميذ المغربي وسؤال الهوية (2)

بين اليوم والأمس : التلميذ المغربي  وسؤال الهوية (2)
بين اليوم والأمس : التلميذ المغربي  وسؤال الهوية (2)
في المقال السابق كان حديثنا حول تلميذ الأمس ومدى التزامه بقضايا دينه ووطنه وتاريخه وعروبته ، وكيف استطاع إلى حد بعيد أن يكرس هويته أمام مختلف تيارات الاستعمار بمفهومه الحضاري والثقافي . وبقي السؤال معلقا حول تلميذ اليوم ، ومدى حفاظه على الإرث الذي تركه له تلميذ الأمس .
وعليه فإن الحقيقة الصارخة حول تلميذ اليوم وبدون مقدمات هي أنه أصبح ضحية تخطيط شامل وممنهج ، وأضحى  جزءا من المشاكل التعليمية ، وعقبة أمام الإصلاح البداغوجي والديداكتيكي ..


 التلميذ اليوم أصبح تائها ، حائرا ، لا يعرف له وجهة ولا قبلة ، اختلط عليه الحابل بالنابل ،  اختلت موازينه التربوية والتعليمية ، أصبح الضروري عنده ثانويا ، وما كان هامشيا في حياته أصبح ذا اهتمام بالغ . لم نكن نسمع من قبل بأن ارتداء نوع من الملابس لأدوار غير التستر والاحتماء ، أو حلاقة الرأس بشكل غير طبيعي ، أو التزين بالقلائد والخواتم ، ووضع المساحيق ، وصباغة الأظافر وغير ذلك مما نعلم ولا نعلم ، لم نكن نسمع بأن هذه الأشياء كانت شرطا لولوج المدرسة ، أو التحصيل العلمي ، غير أن الأمر أصبح كذلك اليوم ، وكأن المدرسة أصبحت معرضا للأزياء وآخر صيحات الموضة المتهتكة  ، ومرتعا للعشاق الصغار ، أصحاب المشاعر الفياضة التي تحكي جفاءا روحيا ، وخواءا عاطفيا ، يعكس حبا شبقيا وضيعا . لقد غاب عنا واختفى تلميذ الأمس ، صاحب الشعر الكث ، والسروال الفضفاض الذي يغطي ثلثي حذائه ذو المنقار الحاد ، والمعطف الصوفي ذو اللون الرمادي الباهت ، وهو يحمل حقيبة يدوية لا تسع كل كتبه ، تتخللها جريدة يومية استلمها من أحد أصدقائه الميسورين . غاب هذا التلميذ  وحل محله تلميذ آخر ، كل همه واهتمامه هو الاعتناء بالمظهر الخارجي والاستباق إلى امتلاك الهواتف الذكية ، واقتناء الدراجات النارية ، الشيء الذي يجعل التلميذ يبدو بمظهر أحسن من الأستاذ الذي يدرسه ، كأنه هو من يتقاضى أجر العمل لا أستاذه . هذا على مستوى المظهر ، وليته كان كذلك  على مستوى المخبر أي على مستوى الأخلاق والتحصيل العلمي . فأغلب تلاميذ الباكالوريا اليوم -ولا مبالغة- عاجزون على تحرير مواضيع أدبية وعلمية وسياسية تجعلك تفخر بمستواهم ، وهذا شيء مقصود لذاته ، لاعتبارين هما :



- الاعتبار الأول هو غياب إرادة حقيقية للإصلاح التربوي والتعليمي من طرف المسؤولين ، وهو ما أنتج لنا مقررات تعليمية عجفاء ، جوفاء ، هدفها تشتيت التلميذ  والزج به في دروب ومتاهات يصعب عليه موقعة نفسه بوجودها ، ولا أدل على ذلك من كثرة المواد الدراسية دون تحقيق الغاية فيها ، وتقليص ساعات الدراسة ، وكثرة العطل ، وغياب الشق التطبيقي ، مع طغيان التنظير الفارغ والغير مجدي ، زد على ذلك تسرب الكثير من الأساتذة إلى مهنة التعليم دون تحقق الأهلية والكفاءة العلمية فيهم  كل هذا وغيره كان سببا في تفقير التلميذ علميا ومعرفيا ، وجعل كل اهتمامه على شهادة ورقية تخول له ولوج سوق الشغل .


- الاعتبار الثاني هو الهجمة الحضارية الشرسة على المناهج التربوية والتعليمية باعتبارها قناة رئيسة لبناء تاريخ ومستقبل الفرد والمجتمع ، فكان أن زوروا وبدلوا وضلوا وأضلوا جبلة كثير، هدف هذه الهجمة هو الهدم باسم البناء ، والتخلف باسم التقدم ، والاستبداد باسم الديموقراطية ، لقد ضيقت أفق التلميذ الرحب ، وحجبت عنه الرؤية البعيدة ، وجعلت كل تفكيره ماديا وغرائزيا ،  لقد نسي التلميذ تاريخه ، فلم يعد يفقه منه إلا ما يقدم له على سبيل التضليل والتزييف . ونسي عروبته ، وولى وجهه قبل الفرنكوفونية ، فأصبح يجهد نفسه لنطق بعض الكلمات باللغة الفرنسية  حتى يكون محط اهتمام وتقدير، وانصهر في هويات مصطنعة ، هدفها محاربة أخلاقه ، ونزع ثقته من دينه وقيمه وثقافته ، وبالتالي جعله دون هوية حتى . وفي الأخير النتيجة ماذا ؟

النتيجة يا سادة هي تلميذ فصامي ، تلميذ ذو شخصيتين ، شخصية تعيش في عالم الأحلام والخيالات ، وشخصية تشكو ألم الواقع ومرارته ...
يتبع...


 عبد السلام البقالي
 عبد السلام البقالي  
طالب باحث في الفكر الإسلامي والحضارة بالمغرب

google-playkhamsatmostaqltradent