بين اليوم والأمس : التلميذ المغربي وسؤال الهوية (2) |
وعليه فإن الحقيقة الصارخة حول تلميذ اليوم وبدون
مقدمات هي أنه أصبح ضحية تخطيط شامل وممنهج ، وأضحى جزءا من المشاكل التعليمية ، وعقبة أمام الإصلاح
البداغوجي والديداكتيكي ..
التلميذ اليوم أصبح تائها ، حائرا ، لا يعرف له
وجهة ولا قبلة ، اختلط عليه الحابل بالنابل ، اختلت موازينه التربوية والتعليمية ، أصبح
الضروري عنده ثانويا ، وما كان هامشيا في حياته أصبح ذا اهتمام بالغ . لم نكن نسمع
من قبل بأن ارتداء نوع من الملابس لأدوار غير التستر والاحتماء ، أو حلاقة الرأس
بشكل غير طبيعي ، أو التزين بالقلائد والخواتم ، ووضع المساحيق ، وصباغة الأظافر
وغير ذلك مما نعلم ولا نعلم ، لم نكن نسمع بأن هذه الأشياء كانت شرطا لولوج
المدرسة ، أو التحصيل العلمي ، غير أن الأمر أصبح كذلك اليوم ، وكأن المدرسة أصبحت
معرضا للأزياء وآخر صيحات الموضة المتهتكة ، ومرتعا للعشاق الصغار ، أصحاب المشاعر الفياضة
التي تحكي جفاءا روحيا ، وخواءا عاطفيا ، يعكس حبا شبقيا وضيعا . لقد غاب عنا
واختفى تلميذ الأمس ، صاحب الشعر الكث ، والسروال الفضفاض الذي يغطي ثلثي حذائه ذو
المنقار الحاد ، والمعطف الصوفي ذو اللون الرمادي الباهت ، وهو يحمل حقيبة يدوية
لا تسع كل كتبه ، تتخللها جريدة يومية استلمها من أحد أصدقائه الميسورين . غاب هذا
التلميذ وحل محله تلميذ آخر ، كل همه واهتمامه هو الاعتناء بالمظهر الخارجي
والاستباق إلى امتلاك الهواتف الذكية ، واقتناء الدراجات النارية ، الشيء الذي
يجعل التلميذ يبدو بمظهر أحسن من الأستاذ الذي يدرسه ، كأنه هو من يتقاضى أجر
العمل لا أستاذه . هذا على مستوى المظهر ، وليته كان كذلك على مستوى المخبر أي على مستوى الأخلاق
والتحصيل العلمي . فأغلب تلاميذ الباكالوريا اليوم -ولا مبالغة- عاجزون على تحرير
مواضيع أدبية وعلمية وسياسية تجعلك تفخر بمستواهم ، وهذا شيء مقصود لذاته ،
لاعتبارين هما :
- الاعتبار الأول هو غياب إرادة
حقيقية للإصلاح التربوي والتعليمي من طرف المسؤولين ، وهو ما أنتج لنا مقررات
تعليمية عجفاء ، جوفاء ، هدفها تشتيت التلميذ والزج به في دروب ومتاهات يصعب
عليه موقعة نفسه بوجودها ، ولا أدل على ذلك من كثرة المواد الدراسية دون تحقيق
الغاية فيها ، وتقليص ساعات الدراسة ، وكثرة العطل ، وغياب الشق التطبيقي ، مع طغيان
التنظير الفارغ والغير مجدي ، زد على ذلك تسرب الكثير من الأساتذة إلى مهنة
التعليم دون تحقق الأهلية والكفاءة العلمية فيهم كل هذا وغيره كان سببا في تفقير
التلميذ علميا ومعرفيا ، وجعل كل اهتمامه على شهادة ورقية تخول له ولوج سوق الشغل
.
- الاعتبار الثاني هو الهجمة
الحضارية الشرسة على المناهج التربوية والتعليمية باعتبارها قناة رئيسة لبناء
تاريخ ومستقبل الفرد والمجتمع ، فكان أن زوروا وبدلوا وضلوا وأضلوا جبلة كثير، هدف
هذه الهجمة هو الهدم باسم البناء ، والتخلف باسم التقدم ، والاستبداد باسم
الديموقراطية ، لقد ضيقت أفق التلميذ الرحب ، وحجبت عنه الرؤية البعيدة ، وجعلت كل
تفكيره ماديا وغرائزيا ، لقد نسي التلميذ
تاريخه ، فلم يعد يفقه منه إلا ما يقدم له على سبيل التضليل والتزييف . ونسي
عروبته ، وولى وجهه قبل الفرنكوفونية ، فأصبح يجهد نفسه لنطق بعض الكلمات باللغة
الفرنسية حتى يكون محط اهتمام وتقدير،
وانصهر في هويات مصطنعة ، هدفها محاربة أخلاقه ، ونزع ثقته من دينه وقيمه وثقافته
، وبالتالي جعله دون هوية حتى . وفي الأخير النتيجة ماذا ؟
النتيجة يا سادة هي تلميذ فصامي ، تلميذ ذو
شخصيتين ، شخصية تعيش في عالم الأحلام والخيالات ، وشخصية تشكو ألم الواقع ومرارته
...